فصل: وفد بني عقيل بن كعب

مساءً 10 :28
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 وفادة الحارث بن حسان البكري إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا زيد بن الحباب، حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي، حدثنا عاصم ابن أبي النجود عن أبي وائل، عن الحارث البكري قال‏:‏ خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمررت بالربذة، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها‏.‏

فقالت‏:‏ يا عبد الله إن لي إلى رسول الله حاجة، فهل أنت مبلغي إليه‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقلت‏:‏ ما شأن النَّاس‏؟‏

قالوا‏:‏ يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً‏.‏

قال‏:‏ فجلست فدخل منزله، أو قال‏:‏ رحله، فاستأذنت عليه، فأذن لي فدخلت فسلمت‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل كان بينكم وبين تميم شيء‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ نعم‏!‏وكانت الدائرة عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب، فأذن لها فدخلت‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزاً فاجعل الدهناء، فحميت العجوز واستوفزت‏.‏

وقالت‏:‏ يا رسول الله أين يضطر مضرك‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ إن مثلي ما قال الأول معزى حملت حتفها حملت هذه، ولا أشعر أنها كانت لي خصماً، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد‏.‏

قالت هي‏:‏ وما وافد عاد‏؟‏ وهي أعلم بالحديث منه ولكن تستطعمه‏.‏

قلت‏:‏ إن عاد قحطوا، فبعثوا وفداً لهم يقال له‏:‏ قيل، فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان، يقال‏:‏ الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال‏:‏ اللهم إنك تعلم لم أجيء إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر، فأومأ إلى سحابة منها سوداء، فنودي منها خذها رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً‏.‏

قال‏:‏ فلما بلغني أنه أرسل عليهم الريح إلا بقدر ما يجري في خاتمي هذا حتَّى هلكوا‏.‏

قال - أبو وائل وصدق -‏:‏ وكانت المرأة أو الرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا‏:‏ لا يكن كوافد عاد‏.‏

وقد رواه التِّرمذي والنسائي من حديث أبي المنذر سلام بن سليمان به‏.‏

ورواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم ابن أبي النجود، عن الحارث البكري، ولم يذكر أبا وائل‏.‏

وهكذا رواه الإمام أحمد عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث‏.‏

والصواب عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث كما تقدَّم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/100‏)‏

 وفادة عبد الرحمن ابن أبي عقيل مع قومه

قال أبو بكر البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي، أنبأنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي، أنبانا علي بن الجعد عبد العزيز، ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا أبو خالد يزيد الأسديّ، ثنا عون ابن أبي جحيفة، عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبد الرحمن ابن أبي عقيل قال‏:‏ انطلقت في وفد إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأتيناه فأنخنا بالباب، فما في النَّاس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فلما دخلنا وخرجنا فما في النَّاس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه‏.‏ قال‏:‏ فقال قائل منا‏:‏ يا رسول الله ألا سألت ربك ملكاً كملك سليمان‏؟‏

قال‏:‏ فضحك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فلعل صاحبك عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فأهلكوا، وإنَّ الله أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

 قدوم طارق بن عبيد الله وأصحابه

روى الحافظ البيهقي من طريق أبي خباب الكلبي عن جامع بن شداد المحاربي، حدثني رجل من قومي يقال له‏:‏ طارق بن عبد الله قال‏:‏ إني لقائم بسوق ذي المجاز إذ أقبل رجل عليه جبة وهو يقول‏:‏ يا أيها النَّاس قولوا‏:‏ لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة وهو يقول‏:‏ يا أيها النَّاس إنه كذاب‏.‏

فقلت‏:‏ من هذا‏؟‏

فقالوا‏:‏ هذا غلام من بني هاشم يزعم أنه رسول الله‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ من هذا الذي يفعل به هذا‏؟‏

قالوا‏:‏ هذا عمه عبد العزى‏.‏

قال‏:‏ فلما أسلم النَّاس وهاجروا، خرجنا من الربذة نريد المدينة نمتار من تمرها، فلما دنونا من حيطانها ونخلها قلت‏:‏ لو نزلنا فلبسنا ثياباً غير هذه، إذا رجل في طمرين فسلم علينا وقال‏:‏ من أين أقبل القوم‏؟‏

قلنا‏:‏ من الربذة‏.‏

قال‏:‏ وأين تريدون‏؟‏

قلنا‏:‏ نريد هذه المدينة‏.‏

قال‏:‏ ما حاجتكم منها‏؟‏

قلنا‏:‏ نمتار من تمرها‏.‏

قال‏:‏ ومعنا ظعينة لنا، ومعنا جمل أحمر مخطوم‏.‏

فقال‏:‏ أتبيعوني جملكم هذا‏؟‏

قلنا‏:‏ نعم‏!‏بكذا وكذا صاعاً من تمر‏.‏

قال‏:‏ فما استوضعنا مما قلنا شيئاً، وأخذ بخطام الجمل وانطلق، فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها‏.‏

قلنا‏:‏ ما صنعنا والله ما بعنا جملنا ممن يعرف، ولا أخذنا له ثمناً‏.‏

قال‏:‏ تقول المرأة التي معنا‏:‏ والله لقد رأيت رجلاً كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر، أنا ضامنة لثمن جملكم، إذ أقبل الرجل فقال‏:‏ أنا رسول الله إليكم، هذا تمركم فكلوا، واشبعوا، واكتالوا، واستوفوا، فأكلنا، وشبعنا، واكتلنا، واستوفينا، ثم دخلنا المدينة، فدخلنا المسجد فإذا هو قائم على المنبر يخطب النَّاس، فأدركنا من خطبته وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من اليد السفلى، أمك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك‏)‏‏)‏‏.‏

إذ أقبل رجل من بني يربوع أو قال‏:‏ رجل من الأنصار، فقال‏:‏ يا رسول الله لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ أباً لا يجني على ولد، ثلاث مرات‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ ص‏:‏5/ 101‏)‏

وقد روى النسائي فضل الصدقة منه عن يوسف بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن يزيد بن زياد ابن أبي الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق بن عبد الله المحاربي ببعضه‏.‏

ورواه الحافظ البيهقي أيضاً عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن يزيد بن زياد، عن جامع بن طارق بطوله، كما تقدم وقال فيه‏:‏ فقالت الظعينة‏:‏ لا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه‏.‏

 قدوم وافد فروة بن عمرو الجذامي صاحب بلاد معان

قال ابن إسحاق‏:‏ وبعث فروة بن عمرو النافرة الجذامي ثم النفاثي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رسولاً بإسلامه، وأهدى له بغلة بيضاء، وكان فروة عاملاً للروم على من يليهم من العرب، وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام، فلما بلغ الرُّوم ذلك من إسلامه طلبوه حتَّى أخذوه فحبسوه عندهم‏.‏

فقال في محبسه ذلك‏:‏

طَرِقَتْ سُليمى مَوهَنا أصحَابي * والرُّومُ بين البابِ وَالقَرَوانِ

صدَ الخَيالُ وساءهُ مَا قَدْ رَأَى * وَهممْتُ أَنْ أَغْفَى وَقَدْ أَبْكَاني

لا تَكْحَلَنَّ العين بعدي إثمداً * سلمى ولا تدينُ للإتيانِ

وَلقدْ عَلمتَ أَبا كبيشة أَنني * وَسط الأعزَة لا يحصَّ لِساني

فَلئِن هَلكتُ لتفقدنَّ أَخاكُمُ * ولئن بقيتُ ليعرفنَّ مَكاني

وَلقد جمعتُ أجلَّ ما جمعَ الفتى * من جودةٍ وشجاعةٍ وبيانِ

قال‏:‏ فلما أجمعت الرُّوم على صلبه على ماء لهم يقال له‏:‏ عفرى بفلسطين قال‏:‏

ألا هَل أتى سَلمى بأنَّ حَليلَها * على ماءِ عَفَّرى فوق إحدى الرواحلِ

على نَاقة لم يضربِ الفحلُ أُمها * مشذَّبه أطرافُها بالمناجلِ

قال‏:‏ وزعم الزُّهري أنهم لما قدموه ليقتلوه قال‏:‏

بَلّغ سَرَاة المسْلمين بأنني * سلَمٌ لربي أَعظمي ومَقامي

قال‏:‏ ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء، رحمه الله، ورضي عنه وأرضاه، وجعل الجنة مثواه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/102‏)‏

 قدوم تميم الداري على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

في خروج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وإيمان من آمن به

أخبرنا‏:‏ أبو عبد الله سهل بن محمد بن نصرويه المروزي بنيسابور، أنبانا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن القاضي، أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان، حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبير، أنبأنا وهب بن جرير، حدثنا أبي سمعت غيلان بن جرير يحدِّث عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس قالت‏:‏ قدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تميم الداري، فأخبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته، فسقطوا إلى جزيرة فخرجوا إليها يلتمسون الماء، فلقي إنسانا يجر شعره فقال له‏:‏ من أنت‏؟‏

قال‏:‏ أنا الجساسة‏.‏

قالوا‏:‏ فأخبرنا‏.‏

قال‏:‏ لا أخبركم، ولكن عليكم بهذه الجزيرة فدخلناها، فإذا رجل مقيد فقال‏:‏ من أنتم‏؟‏

قلنا‏:‏ ناس من العرب‏.‏

قال‏:‏ ما فعل هذا النَّبيّ الذي خرج فيكم‏؟‏

قلنا‏:‏ قد آمن به النَّاس واتبعوه وصدقوه‏.‏

قال‏:‏ ذلك خير لهم‏.‏

قال‏:‏ أفلا تخبروني عن عين زعر ما فعلت‏.‏

فأخبرناه عنها، فوثب وثبة كاد أن يخرج من وراء الجدار ثم قال‏:‏ ما فعل نخل بيسان هل أطعم بعد‏.‏

فأخبرناه‏:‏ أنه قد أطعم، فوثب مثلها، ثم قال‏:‏ أما لوقد أذن لي في الخروج لوطئت البلاد كلها غير طيبة‏.‏

قالت‏:‏ فأخرجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فحدَّث النَّاس فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذه طيبة، وذاك الدجال‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد، ومسلم، وأهل السنن من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبي، عن فاطمة بنت قيس‏.‏

وقد أورد له الإمام أحمد شاهداً من رواية أبي هريرة، وعائشة أم المؤمنين‏.‏

وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه في كتاب الفتن‏.‏

وذكر الواقدي وفد الدارين من لخم وكانوا عشرة‏.‏

 وفد بني أسد

وهكذا ذكر الواقدي‏:‏ أنَّه قدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في أول سنة تسع وفد بني أسد وكانوا عشرة؛ منهم‏:‏ ضرار بن الأزور، ووابصة بن معبد، وطليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة بعد ذلك، ثم أسلم وحسن إسلامه، ونفادة بن عبد الله بن خلف، فقال له رئيسهم حضرمي بن عامر‏:‏ يا رسول الله أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث إلينا بعثاً، فنزل فيهم‏:‏ ‏{‏يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 17‏]‏‏.‏

وكان فيهم قبيلة يقال لهم‏:‏ بنو الرتية، فغير اسمهم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنتم بنو الرشدة‏)‏‏)‏ وقد استهدى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من نفادة بن عبد الله بن خلف ناقة تكون جيدة للركوب وللحلب من غير أن يكون لها ولد معها، فطلبها فلم يجدها إلا عند ابن عم له فجاء بها، فأمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بحلبها فشرب منها وسقاه سؤره، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم بارك فيها وفيمن منحها‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله وفيمن جاء بها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وفيمن جاء بها‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ ص‏:‏5/103‏)‏

 وفد بني عبس

ذكر الواقدي‏:‏ أنهم كانوا تسعة نفر وسماهم الواقدي‏.‏

فقال لهم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا عاشركم‏)‏‏)‏ وأمر طلحة بن عبيد الله فعقد لهم لواء وجعل شعارهم‏:‏ يا عشرة، وذكر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سألهم عن خالد بن سنان العبسي - الذي قدمنا ترجمته في أيام الجاهلية - فذكروا أنه لا عقب له، وذكر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعثهم يرصدون عيراً لقريش قدمت من الشام، وهذا يقتضي تقدم وفادتهم على الفتح، والله أعلم‏.‏

 وفد بني فزارة

قال الواقدي‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن محمد بن عمر الجمحي، عن أبي وجزة السعدي قال‏:‏ لما رجع رسول الله من تبوك وكان سنة تسعة قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلاً؛ فيهم‏:‏ خارجة بن حصن، والحارث بن قيس بن حصن وهو أصغرهم، على ركاب عجاف فجاؤا مقرين بالإسلام‏.‏

وسألهم رسول الله عن بلادهم، فقال أحدهم‏:‏ يا رسول الله أسنتت بلادنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جناتنا، وغرث عيالنا، فادع الله لنا، فصعد رسول الله المنبر ودعا فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مرياً مريعاً، طبقاً واسعاً، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار، اللهم اسقنا سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق، ولا محق، اللهم اسقنا الغيث، وانصرنا على الأعداء‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فمطرت فما رأوا السماء سبتاً، فصعد رسول الله المنبر فدعا فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم حوالينا ولا علينا، على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر‏)‏‏)‏ فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب‏.‏ ‏(‏ج /ص‏:‏5/104‏)‏

 وفد بني مرة

قال الواقدي‏:‏ إنهم قدموا سنة تسع عند مرجعه من تبوك، وكانوا ثلاثة عشر رجلاً؛ منهم‏:‏ الحارث بن عوف، فأجازهم عليه السلام بعشر أواق من فضة، وأعطى الحارث بن عوف اثنتي عشر أوقية، وذكروا بأن بلادهم مجدبة، فدعا لهم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اسقهم الغيث‏)‏‏)‏‏.‏

فلما رجعوا إلى بلادهم وجدوها قد مطرت ذلك اليوم الذي دعا لهم فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

 وفد بني ثعلبة

قال الواقدي‏:‏ حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن رجل من بني ثعلبة، عن أبيه قال‏:‏ لما قدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الجعرانة سنة ثمان قدمنا عليه أربعة نفر، فقلنا‏:‏ نحن رسل من خلفنا من قومنا، وهم يقرون بالإسلام، فأمر لنا بضيافة، وأقمنا أياماً ثم جئناه لنودعه‏.‏

فقال لبلال‏:‏ ‏(‏‏(‏أجزهم كما تجيز للوفد‏)‏‏)‏ فجاء ببقر من فضة فأعطى كل رجل منا خمس أواق، وقال‏:‏ ليس عندنا دراهم، وانصرفنا إلى بلادنا‏.‏

 وفد بني محارب

قال الواقدي‏:‏ حدثني محمد بن صالح عن أبي وجزة السعدي قال‏:‏ قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر؛ فيهم‏:‏ سواء بن الحارث، وابنه خزيمة بن سواء، فأنزلوا دار رملة بنت الحارث، وكان بلال يأتيهم بغداء، وعشاء، فأسلموا وقالوا‏:‏ نحن على من وراءنا، ولم يكن أحد في تلك المواسم أفظ ولا أغلظ على رسول الله منهم، وكان في الوفد رجل منهم فعرفه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ الحمد لله الذي أبقاني حتَّى صدقت بك‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن هذه القلوب بيد الله عز وجل‏)‏‏)‏‏.‏ ومسح رسول الله وجه خزيمة بن سواء فصارت غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز الوفد، وانصرفوا إلى بلادهم‏.‏

 وفد بني كلاب

ذكر الواقدي‏:‏ أنهم قدموا سنة تسع، وهم ثلاثة عشر رجلاً؛ منهم‏:‏ لبيد بن ربيعة الشاعر، وجبار بن سلمى، وكان بينه وبين كعب بن مالك خلة فرحب به وأكرمه وأهدى إليه، وجاؤا معه إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسلَّموا عليه بسلام الإسلام، وذكروا له أن الضحاك بن سفيان الكلابي سار فيهم بكتاب الله، وسنة رسوله التي أمره الله بها، ودعاهم إلى الله فاستجابوا له، وأخذ صدقاتهم من أغنيائهم، فصرفها على فقرائهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/105‏)‏

وفد بني رؤاس من كلاب

ثم ذكر الواقدي‏:‏ أن رجلاً يقال له‏:‏ عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأسلم، ثم رجع إلى قومه فدعاهم إلى الله‏.‏

فقالوا‏:‏ حتَّى نصيب من بني عقيل مثل ما أصابوا منا، فذكر مقتلة كانت بينهم وأن عمرو بن مالك هذا قتل رجلاً من بني عقيل، قال‏:‏ فشددت يدي في غل، وأتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبلغه ما صنعت‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لئن أتاني لأضرب ما فوق الغل من يده‏)‏‏)‏‏.‏

فلما جئت سلمت، فلم يرد علي السلام، وأعرض فأتيته عن يمينه فأعرض عني، فأتيته عن يساره فأعرض عني، فأتيته من قبل وجهه فقلت‏:‏ يا رسول الله إن الرب عز وجل ليرتضي فيرضى، فارض عني، رضي الله عنك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قد رضيت‏)‏‏)‏‏.‏

 وفد بني عقيل بن كعب

ذكر الواقدي‏:‏ أنهم قدموا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأقطعهم العقيق - عقيق بنى عقيل - وهي أرض فيها نخيل وعيون، وكتب بذلك كتاباً ‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله ربيعاً ومطرفاً، وأنساً، أعطاهم العقيق ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وسمعوا وطاعوا، ولم يعطهم حقاً لمسلم‏)‏‏)‏ فكان الكتاب في يد مطرف‏.‏

قال‏:‏ وقدم عليه أيضاً لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل - وهو أبو رزين - فأعطاه ماء يقال له‏:‏ النظيم، وبايعه على قومه، وقد قدمنا قدومه، وقصته، وحديثه بطوله، ولله الحمد والمنة‏.‏

 وفد بني قشير بن كعب

وذلك قبل حجة الوداع، وقبل حنين، فذكر فيهم‏:‏ قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير بن قشير فأسلم، فأعطاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكساه برداً، وأمره أن يلي صدقات قومه، فقال قرة حين رجع‏:‏

حَباهَا رَسولُ اللهِ إذْ نَزَلت به * وأَمكنها من نائلٍ غير منفدِ

فأَضْحتْ بروضِ الخضرِ وهي حثيثةٌ * وَقد أنجحت حَاجَاتها من محمَّد

عَليها فتىً لا يردفُ الذم رحلُهُ * يُروى لأمر العاجز المتردِدِ ‏(‏ج/ ص‏:‏5/106‏)‏

 وفد بني البكاء

ذكر أنهم قدموا سنة تسع، وأنهم كانوا ثلاثين رجلاً؛ فيهم‏:‏ معاوية بن ثور بن معاوية بن عبادة بن البكاء، وهو يومئذ ابن مائة سنة، ومعه ابن له يقال له‏:‏ بشر، فقال‏:‏ يا رسول الله إني أتبرك بمسك وقد كبرت، وابني هذا برٌّ بي، فامسح وجهه، فمسح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجهه، وأعطاه أعنزاً عفراً، وبرك عليهن فكانوا لا يصيبهم بعد ذلك قحط ولا سنة‏.‏

وقال محمد بن بشر بن معاوية في ذلك‏:‏

وأَبي الذي مَسَحَ الرَّسولُ برأسِهِ * وَدعا له بالخيرِ والبركاتِ

أَعطاهُ أَحمدُ إذْ أتاه أعنزاً * عَفراً نواحلَ لَسن باللحياتِ

يملأن وفد الحيِّ كل عشيةٍ * ويعود ذاك الملئ بالغدواتِ

بوركْنَ من منحٍ وبوركَ مَانحاً * وَعليهِ مني ما حييتُ صَلاتي

 وفد كنانة

روى الواقدي بأسانيده‏:‏ أن واثلة بن الأسقع الليثي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك، فصلى معه الصبح، ثم رجع إلى قومه فدعاهم وأخبرهم عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال أبوه‏:‏ والله لا أحملك أبداً، وسمعت أخته كلامه فأسلمت، وجهزته حتَّى سار مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى تبوك، وهو راكب على بعير لكعب بن عجرة، وبعثه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع خالد إلى أكيدر دومة، فلما رجعوا عرض واثلة على كعب بن عجرة ما كان شارطه عليه من سهم الغنيمة‏.‏

فقال له كعب‏:‏ إنما حملتك لله عز وجل‏.‏

 وفد أشجع

ذكر الواقدي‏:‏ أنهم قدموا عام الخندق، وهم مائة رجل، ورئيسهم‏:‏ مسعود بن رخيلة، فنزلوا شعب سلع، فخرج إليهم رسول الله وأمر لهم بأحمال التمر‏.‏

ويقال‏:‏ بل قدموا بعد ما فرغ من بني قريظة، وكانوا سبع مائة رجل فوادعهم، ورجعوا ثم أسلموا بعد ذلك‏.‏

 وفد باهلة

قدم رئيسهم‏:‏ مطرف بن الكاهن بعد الفتح فأسلم، وأخذ لقومه أماناً، وكتب له كتاباً فيه الفرائض، وشرائع الإسلام، كتبه عثمان بن عفَّان رضي الله عنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/107‏)‏

 وفد بني سليم

قال‏:‏ وقدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رجل من بني سليم يقال له‏:‏ قيس بن نشبة، فسمع كلامه وسأله عن أشياء فأجابه، ووعى ذلك كله، ودعاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الإسلام فأسلم، ورجع إلى قومه بني سليم فقال‏:‏ سمعت ترجمة الرُّوم، وهيمنة فارس، وأشعار العرب، وكهانة الكهان، وكلام مقاول حمير، فما يشبه كلام محمد شيئاً من كلامهم فأطيعوني، وخذوا بنصيبكم منه‏.‏

فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم فلقوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقديد، وهم سبع مائة، ويقال‏:‏ كانوا ألفاً، وفيهم‏:‏ العبَّاس بن مرداس، وجماعة من أعيانهم فأسلموا، وقالوا‏:‏ اجعلنا في مقدمتك، واجعل لواءنا أحمر، وشعارنا مقدماً، ففعل ذلك بهم، فشهدوا معه الفتح، والطائف، وحنيناً‏.‏

وقد كان راشد بن عبد ربه السلمي يعبد صنماً، فرآه يوماً وثعلبان يبولان عليه فقال‏:‏

أربٌ يبولُ الثَّعلبان برأسهِ * لَقد زَلَّ من بالتْ عليه الثعَالِبُ

ثم شد عليه فكسره، ثم جاء إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأسلم‏.‏

وقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏)‏‏)‏‏؟‏

قال‏:‏ غاوي بن عبد العزى‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل أنت راشد بن عبد ربه‏)‏‏)‏، وأقطعه موضعاً يقال له‏:‏ رهاط، فيه عين تجري يقال لها‏:‏ عين الرسول، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هو خير بني سليم‏)‏‏)‏ وعقد له على قومه، وشهد الفتح وما بعدها‏.‏

 وفد بني هلال بن عامر

وذكر في وفدهم‏:‏ عبد عوف بن أصرم فأسلم، وسماه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عبد الله‏.‏

وقبيصة بن مخارق الذي له حديث في الصدقات، وذكر في وفد بني هلال‏:‏ زياد بن عبد الله بن مالك بن نجير بن الهدم بن روبية بن عبد الله بن هلال بن عامر، فلما دخل المدينة يمم منزل خالته ميمونة بنت الحارث، فدخل عليها، فلما دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منزله رآه فغضب ورجع، فقالت‏:‏ يا رسول الله إنَّه ابن أختي، فدخل ثم خرج إلى المسجد ومعه زياد فصلى الظهر، ثم أدنا زياداً فدعا له، ووضع يده على رأسه، ثم حدرها على طرف أنفه، فكانت بنو هلال تقول‏:‏ ما زلنا نتعرف البركة في وجه زياد‏.‏ ‏(‏ج/ ص‏:‏5/108‏)‏

وقال الشاعر لعلي بن زياد‏:‏

إنْ الذي مسح الرَّسول برأسهِ * وَدعا لهُ بالخير عند المسجد

أعْني زياداً لا أريد سواءه * من عابرٍ أو متهمٍ أو منجدِ

ما زال ذاك النُّور في عرنينه * حتَّى تبوَّأ بيته في مُلحدِ

 وفد بني بكر بن وائل

ذكر الواقدي‏:‏ أنهم لما قدموا سألوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن قس بن ساعدة‏.‏

فقال‏:‏ ليس ذاك منكم، ذاك رجل من إياد تحنف في الجاهلية فوافى عكاظ، والنَّاس مجتمعون فكلَّمهم بكلامه الذي حفظ عنه‏.‏

قال‏:‏ وكان في الوفد بشير بن الخصاصية، وعبد الله بن مرثد، وحسان بن خوط‏.‏

فقال رجل من ولد حسان‏:‏

أنَا وحسَّان بن خوط وأبي * رسول بكر كلَّها إلى النَّبيّ

 وفد بني تغلب

ذكر أنهم كانوا ستة عشر رجلاً مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحارث فصالح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم النصارى على أن لا يضيعوا أولادهم في النصرانية، وأجاز المسلمين منهم‏.‏

 وفادات أهل اليمن‏:‏ وفد تجيب

ذكر الواقدي‏:‏ أنهم قدموا سنة تسع، وأنهم كانوا ثلاثة عشر رجلاً، فأجازهم أكثر ما أجاز غيرهم، وأن غلاماً منهم قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حاجتك‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله أدع الله يغفر لي ويرحمني ويجعل غنائي في قلبي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اغفر له وارحمه، واجعل غناه في قلبه‏)‏‏)‏‏.‏

فكان بعد ذلك من أزهد النَّاس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/109‏)‏

 وفد خولان

ذكر أنهم كانوا عشرة، وأنهم قدموا في شعبان سنة عشر، وسألهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن صنمهم الذي كان يقال له‏:‏ عم أنس‏.‏

فقالوا‏:‏ أبدلناه خيراً منه، ولو قد رجعنا لهدمناه، وتعلموا القرآن والسنن فلمَّا رجعوا هدموا الصنم، وأحلوا ما أحل الله وحرَّموا ما حرَّم الله‏.‏

 وفد جعفيّ

ذكر أنهم كانوا يحرمون أكل القلب، فلما أسلم وفدهم أمرهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأكل القلب، وأمر به فشوي وناوله رئيسهم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يتم إيمانكم حتَّى تأكلوه‏)‏‏)‏ فأخذه ويده ترعد فأكله وقال‏:‏

على أني أكلتُ القلب كرّهاً * وترعد حين مسَّته بَناني

 بسم الله الرَّحمن الرَّحيم‏:‏ فصل في قدوم الأزد على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

ذكر أبو نعيم في كتاب ‏(‏معرفة الصحابة‏)‏ والحافظ أبو موسى المديني من حديث أحمد ابن أبي الحواري قال‏:‏ سمعت أبا سليمان الدَّاراني قال‏:‏ حدَّثني علقمة بن مرثد بن سويد الأزديّ قال‏:‏ حدَّثني أبي عن جدي، عن سويد بن الحارث قال‏:‏ وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما دخلنا عليه وكلمناه فأعجبه ما رأى من سمتنا وزينا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أنتم‏)‏‏)‏‏؟‏

قلنا‏:‏ مؤمنون‏.‏

فتبسم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ خمس عشرة خصلة؛ خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ أمرتنا أن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وما الخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ أمرتنا أن نقول‏:‏ لا إله إلا الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت من استطاع إليه سبيلاً‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وما الخمسة الذي تخلَّقتم بها في الجاهلية‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ الشكر عند الرخاء، والصَّبر عند البلاء، والرِّضى بمر القضاء، والصدق في مواطن اللِّقاء، وترك الشماتة بالأعداء‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وأنا أريدكم خمساً فيتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون، فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا مالاً تسكنون، ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون، وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون‏)‏‏)‏‏.‏

فانصرف القوم من عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وحفظوا وصيته، وعملوا بها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/110‏)‏

ثم ذكر‏:‏

 وفد كندة

وأنهم كانوا بضعة عشر راكباً عليهم الأشعث بن قيس، وأنه أجازهم بعشر أواق، وأجاز الأشعث اثنتي عشرة أوقية، وقد تقدم‏.‏

 وفد الصدف

قدموا في بضعة عشر راكباً فصادفوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب على المنبر، فجلسوا ولم يسلموا فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أمسلمون أنتم‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فهلا سلَّمتم‏)‏‏)‏‏.‏

فقاموا قياماً فقالوا‏:‏ السلام عليك أيها النَّبيّ ورحمة الله وبركاته‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وعليكم السلام اجلسوا‏)‏‏)‏‏.‏

فجلسوا وسألوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن أوقات الصلوات‏.‏

 وفد خشين

قال‏:‏ وقدم أبو ثعلبة الخشنيّ، ورسول الله يجهِّز إلى خيبر فشهد معه خيبر، ثم قدم بعد ذلك بضعة عشر رجلاً منهم فأسلموا‏.‏

 وفد بني سعد

ثم ذكر وفد بني سعد هذيم، وبلي وبهراء، وبني عذرة، وسلامان، وجهينة، وبني كلب، والجرميين‏.‏

وقد تقدم حديث عمرو بن سلمة الجرمي في صحيح البخاري‏.‏

وذكر‏:‏ وفد الأزد، وغسان، والحارث بن كعب، وهمدان، وسعد العشيرة، وقيس، ووفد الداريين، والرهاويين، وبني عامر، والمسجع، وبجيلة، وخثعم، وحضرموت‏.‏

وذكر فيهم‏:‏ وائل بن حجر، وذكر فيهم الملوك الأربعة‏:‏ حميداً، ومخوساً، ومشرجاً، وأبضعه‏.‏

وقد ورد في مسند أحمد‏:‏ لعنهم مع أختهم العمّردة‏.‏

وتكلم الواقدي كلاماً فيه طول‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/111‏)‏

وذكر وفد أزد عمان، وغافق، وبارق، وثمالة، والحدار، وأسلم، وجذام، ومهرة، وحمير، ونجران، وحيسان، وبسط الكلام على هذه القبائل بطول جداً‏.‏

وقد قدمنا بعض ما يتعلق بذلك وفيما أوردناه كفاية، والله أعلم‏.‏

ثم قال الواقدي‏:‏

 وفد السباع

حدثني‏:‏ شعيب بن عُبادة عن عبد المطلب بن عبد الله بن حنظب قال‏:‏ بينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جالس بالمدينة في أصحابه أقبل ذئب، فوقف بين يديه فعوى‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا وافد السِّباع إليكم، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئاً لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه وتحذَّرتم منه، فما أخذ فهو رزقه‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشيء، فأومأ إليه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأصابعه الثلاث أي‏:‏ خالسهم فولى وله عسلان‏.‏

وهذا مرسل من هذا الوجه‏.‏

ويشبه هذا الذئب الذئب الذي ذكر في الحديث الذي رواه الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يزيد بن هارون، أنبانا القاسم بن الفضل الحدَّاني عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ قال‏:‏ عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبها الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه‏.‏

فقال‏:‏ ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً ساقه الله إليّ‏.‏

فقال‏:‏ يا عجباً، ذئب مقعٍ على ذنبه يكلمني كلام الإنس‏.‏

فقال الذئب‏:‏ ألا أخبرك بأعجب من ذلك‏؟‏ محمد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيثرب يخبر النَّاس بأنباء ما قد سبق‏.‏

قال‏:‏ فأقبل الراعي يسوق غنمه حتَّى دخل المدينة، فزاواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبره، فأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فنودي‏:‏ الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للأعرابي‏:‏ ‏(‏‏(‏أخبرهم‏)‏‏)‏، فأخبرهم‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتَّى تكلِّم السباع الإنس، وتكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه التِّرمذي‏:‏ عن سفيان بن وكيع بن الجراح، عن أبيه، عن القاسم بن الفضل به‏.‏

وقال‏:‏ حسن غريب صحيح، لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل به، وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث‏.‏

وثَّقه يحيى وابن مهدي‏.‏

قلت‏:‏ وقد رواه الإمام أحمد أيضاً‏:‏ حدَّثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب - هو ابن أبي حمزة - حدثني عبد الله ابن أبي الحسين، حدَّثني مهران، أنبأنا أبو سعيد الخدريّ حدَّثه، فذكر هذه القصة بطولها بأبسط من هذا السياق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/112‏)‏

ثم رواه أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو النضر، ثنا عبد الحميد بن بهرام، ثنا شهر قال‏:‏ وحدَّث أبو سعيد فذكره‏.‏

وهذا السِّياق أشبه، والله أعلم‏.‏

وهو إسناد على شرط أهل السُّنن، ولم يخرِّجوه‏.‏

 فصل ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة‏.‏

وقد تقدم ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة، وقد تقصينا الكلام في ذلك عند قوله تعالى في سورة الأحقاف‏:‏ ‏(‏وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن‏)‏‏)‏، فذكرنا ما ورد من الأحاديث في ذلك والآثار، وأوردنا حديث سواد بن قارب الذي كان كاهناً فأسلم، وما رواه عن رئيه الذي كان يأتيه بالخبر حين أسلم الرئي، حين قال له‏:‏

عجبتُ للجنِّ وأنجاسهَا * وشدِها العيسَ بأحلاسِهَا

تهوي إلى مكةَ تبغي الهُدى * ما مؤمنُ الجنّ كأرجاسِهَا

فانهضْ إلى الصَفوةِ من هاشمٍ * واسمُ بعينيكَ إلى راسِها

ثم قوله‏:‏

عجبتُ للجنّ وتَطلابهَا * وشدِهَا العيسَ بأقتابهَا

تهوي إلى مَكةَ تبغي الهدَى * ليسَ قدامَها كأذنابهَا

فانهضْ إلى الصَفوةِ منْ هاشمٍ * واسمُ بعينيكَ إلى بابها

ثم قوله‏:‏ عجبتُ للجنِّ وتخبارها * وشدَّها العيسَ بأكوارِها

تهوي إلى مكةَ تبغي الهُدى * ليسَ ذوو الشر كأخيارِهَا

فانهضْ إلى الصَفوةِ منْ هاشمٍ * ما مؤمنُوا الجنِّ كَكُفَّارِهَا

وهذا وأمثاله مما يدل على تكرار وفود الجن إلى مكة، وقد قررنا ذلك هنالك بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /113‏)‏

وقد أورد الحافظ أبو بكر البيهقي ها هنا حديثاً غريباً جداً، بل منكراً أو موضوعاً ولكن مخرجه عزيز، أحببنا أن نورده كما أورده، والعجب منه فإنه قال في ‏(‏دلائل النبوة‏)‏ باب ماروي في قدوم هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وإسلامه‏:‏

أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله، أنبأنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل القاري المروزي، ثنا عبد الله بن حماد الآملي، ثنا محمد ابن أبي معشر، أخبرني أبي عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ قال عمر رضي الله عنه‏:‏ بينا نحن قعود مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم على جبل من جبال تهامة، إذ أقبل شيخ بيده عصا فسلم على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فرد عليه السلام، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نغمة جن وغمغمتهم، من أنت‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ أنا هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس‏.‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏فما بينك وبين إبليس إلا أبوان، فكم أتى لك من الدهر‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قد أفنيت الدنيا عمرها إلا قليلاً ليال قتل قابيل هابيل كنت غلاماً ابن أعوام، أفهم الكلام وأمر بالآكام، وآمر بإفساد الطَّعام وقطيعة الأرحام‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏بئس عمل الشَّيخ المتوسم، والشَّاب المتلوم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ذرني من الترداد إني تائب إلى الله عز وجل، إني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتَّى بكى وأبكاني‏.‏

وقال‏:‏ لا جرم إني على ذلك من النَّادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يا نوح إني كنت ممن اشترك في دم السَّعيد الشَّهيد هابيل بن آدم، فهل تجد لي عندك توبة‏؟‏

قال‏:‏ يا هام همَّ بالخير وافعله قبل الحسرة والندامة، إني قرأت فيما أنزل الله علي أنه ليس من عبد تاب إلى الله بالغ أمره ما بلغ إلا تاب الله عليه، قم فتوضأ واسجد لله سجدتين‏.‏

قال‏:‏ ففعلت من ساعتي ما أمرني به، فناداني ارفع رأسك، فقد نزلت توبتك من السَّماء، فخررت لله ساجداً‏.‏

قال‏:‏ وكنت مع هود في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتَّى بكى عليهم وأبكاني‏.‏

فقال‏:‏ لاجرم إني على ذلك من النَّادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين‏.‏

قال‏:‏ وكنت مع صالح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتَّى بكى وأبكاني‏.‏

وقال‏:‏ أنا على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين‏.‏

وكنت أزور يعقوب، وكنت مع يوسف في المكان الأمين، وكنت ألقى إلياس في الأودية وأنا ألقاه الآن، وإني لقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة‏.‏

وقال‏:‏ إن لقيت عيسى بن مريم فأقره مني السَّلام، وإني لقيت عيسى بن مريم فأقرأته عن موسى السَّلام‏.‏

وإن عيسى قال‏:‏ إن لقيت محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم فأقرئه مني السَّلام، فأرسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عينيه فبكى‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وعلى عيسى السَّلام ما دامت الدنيا، وعليك السلام يا هام بأدائك الأمانة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله إفعل بي ما فعل بي موسى إنه علمني من التوراة‏.‏

قال‏:‏ فعلمه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ‏(‏‏(‏إذا وقعت الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، والمعوذتين، وقل هو الله أحد‏)‏‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ارفع إلينا حاجتك يا هامة، ولا تدع زيارتنا‏)‏‏)‏‏.‏

قال عمر‏:‏ فقبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يعد إلينا، فلا ندري الآن أحيّ هو أم ميت‏؟‏

ثم قال البيهقي‏:‏ ابن أبي معشر هذا قد روى عنه الكبار إلا أن أهل العلم بالحديث يضعفونه، وقد روي هذا الحديث من وجه آخر هو أقوى منه، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/114‏)‏

 سنة عشر من الهجرة، باب بعث رسول الله خالد بن الوليد

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم بعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر، أو جمادى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران؛ وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثاً، فإن استجابوا فاقبل منهم، وإن لم يفعلوا فقاتلهم‏.‏

فخرج خالد حتَّى قدم عليهم، فبعث الرُّكبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام، ويقولون‏:‏ أيها النَّاس أسلموا تسلموا، فأسلم النَّاس، ودخلوا فيما دعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام، وكتاب الله وسنة نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم كما أمره رسول الله إن هم أسلموا ولم يقاتلوا، ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد النَّبيّ رسول الله من خالد بن الوليد‏:‏ السَّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأن أدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلت منهم، وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنَّة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم، وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله، وبعثت فيهم ركباناً قالوا‏:‏ يا بني الحارث أسلموا تسلموا، فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى يكتب إلي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والسَّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته‏.‏

فكتب إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النَّبيّ رسول الله إلى خالد بن الوليد سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم وأقبل، وليقبل معك وفدهم، والسَّلام عليك ورحمة الله وبركاته‏)‏‏)‏‏.‏

فأقبل خالد إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب، منهم‏:‏ قيس بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل، وعبد الله بن قراد الزيادي، وشداد بن عبيد الله القناني، وعمرو بن عبد الله الضبابي، فلما قدموا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورآهم، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند‏؟‏‏)‏‏)‏

قيل‏:‏ يا رسول الله هؤلاء بنوالحارث بن كعب، فلما وقفوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سلموا عليه، وقالوا‏:‏ نشهد أنك رسول الله، وأنه لا إله إلا الله‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنتم الذين إذا زجروا استقدموا‏)‏‏)‏‏.‏

فسكتوا فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الثانية ثم الثالثة، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الرابعة قال يزيد بن عبد المدان‏:‏ نعم يا رسول الله‏!‏نحن الذين إذا زجروا استقدموا، قالها أربع مرات‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لو أن خالداً لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا، لألقيت رؤسكم تحت أقدامكم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال يزيد بن عبد المدان‏:‏ أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالداً‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمن حمدتم‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏صدقتم‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ لم نك نغلب أحداً‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بلى قدكنتم تغلبون من قاتلكم‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله، إنا كنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحداً بظلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏صدقتم‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أمَّر عليهم قيس بن الحصين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/115‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم رجعوا إلى قومهم، في بقية شوال أو في صدر ذي القعدة، قال‏:‏ ثم بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدِّين، ويعلمهم السُّنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم، وكتب له كتاباً عهد إليه فيه عهده وأمره أمره‏.‏

ثم أورده ابن إسحاق، وقد قدمناه في وفد ملوك حمير من طريق البيهقي، وقد رواه النسائي نظير ما ساقه محمد بن إسحاق بغير إسناد‏.‏

 بعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الأمراء إلى أهل اليمن

قال البخاري ‏(‏باب بعث أبي موسى، ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع‏)‏‏:‏ حدَّثنا موسى، ثنا أبو عوانة، ثنا عبد الملك، عن أبي بردة قال‏:‏ بعث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبا موسى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال‏:‏ وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال‏:‏ واليمن مخلافان ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا‏)‏‏)‏‏.‏

وفي رواية ‏(‏‏(‏وتطاوعا ولا تختلفا‏)‏‏)‏‏.‏

وانطلق كل واحد منهما إلى عمله قال‏:‏ وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريباً من صاحبه أحدث به عهداً فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى فجاء يسير على بغلته حتَّى انتهى إليه فإذا هو جالس وقد اجتمع النَّاس إليه، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه فقال له معاذ‏:‏ يا عبد الله بن قيس أيم هذا‏؟‏

قال‏:‏ هذا رجل كفر بعد إسلامه‏.‏

قال‏:‏ لا أنزل حتَّى يقتل‏.‏

قال‏:‏ إنما جيء به لذلك فانزل‏.‏

قال‏:‏ ما أنزل حتَّى يقتل، فأمر به فقتل ثم نزل‏.‏

فقال‏:‏ يا عبد الله كيف تقرأ القرآن‏؟‏

قال‏:‏ أتفوقه تفوقاً‏.‏

قال‏:‏ فكيف تقرأ أنت يا معاذ‏؟‏

قال‏:‏ أنام أول الليل فأقوم، وقد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي‏.‏

انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/116‏)‏

ثم قال البخاري‏:‏ ثنا إسحاق، ثنا خالد عن الشيباني، عن سعيد ابن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعريّ، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها، فقال‏:‏ ما هي‏؟‏

قال‏:‏ البتع، والمزر‏.‏

فقلت لأبي بردة‏:‏ ما التبع‏؟‏

قال‏:‏ نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كل مسكر حرام‏)‏‏)‏‏.‏

رواه جرير، وعبد الواحد عن الشيباني، عن أبي بردة‏.‏

ورواه مسلم من حديث سعيد ابن أبي بردة‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدَّثنا حبان، أنبأنا عبد الله عن زكريا ابن أبي إسحاق، عن يحيى بن عبد الله ابن صيفي، عن أبي معبد مولى ابن عبَّاس، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن‏:‏ ‏(‏‏(‏إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب‏)‏‏)‏‏.‏

وقد أخرجه بقية الجماعة من طرق متعددة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدَّثني راشد بن سعد عن عاصم بن حميد الكسوني، عن معاذ بن جبل قال‏:‏ لما بعثه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليمن خرج معه يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر مسجدي هذا وقبري‏)‏‏)‏‏.‏

فبكى معاذ خشعاً لفراق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم التفت بوجهه نحو المدينة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ أولى النَّاس بي المتَّقون من كانوا وحيث كانوا‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه‏:‏ عن أبي اليمان، عن صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني، أن معاذ لما بعثه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليمن، خرج معه يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري‏)‏‏)‏‏.‏

فبكى معاذ خشعاً لفراق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تبك يا معاذ للبكاء أوان، البكاء من الشَّيطان‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدَّثني أبو زياد يحيى بن عبيد الغساني عن يزيد بن قطيب، عن معاذ أنه كان يقول‏:‏ بعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليمن فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لعلك أن تمر بقبري ومسجدي، فقد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم يقاتلون على الحق مرتين، فقاتل بمن أطاعك منهم من عصاك، ثم يفيئون إلى الإسلام حتَّى تبادر المرأة زوجها، والولد والده، والأخ أخاه، فأنزل بين الحيين السكون والسكاسك‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /117‏)‏

وهذا الحديث فيه إشارة وظهور وإيماء إلى أن معاذاً رضي الله عنه لا يجتمع بالنَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد ذلك وكذلك وقع فإنَّه أقام باليمن حتَّى كانت حجة الوداع، ثم كانت وفاته عليه السلام بعد أحد وثمانين يوماً من يوم الحج الأكبر‏.‏

فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن معاذ أنه لما رجع من اليمن قال‏:‏ يا رسول الله رأيت رجالاً باليمن يسجد بعضهم لبعض، أفلا نسجد لك‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو كنت آمر بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه أحمد‏:‏ عن ابن نمير، عن الأعمش، سمعت أبا ظبيان يحدث عن رجل من الأنصار، عن معاذ بن جبل قال‏:‏ أقبل معاذ من اليمن فقال‏:‏ يا رسول الله إني رأيت رجالاً، فذكر معناه، فقصد دار على رجل منهم‏.‏

ومثله لا يحتج به، لا سيما وقد خالفه غيره ممن يعتد به، فقالوا‏:‏ لما قدم معاذ من الشام‏.‏

كذلك رواه أحمد‏:‏ ثنا إبراهيم بن مهدي، ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن ابن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏مفاتيح الجنَّة شهادة أن لا إله إلا الله‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا وكيع، ثنا سفيان عن حبيب ابن أبي ثابت، عن ميمون ابن أبي شبيب، عن معاذ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا معاذ اتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِق النَّاس بخلق حسن‏)‏‏)‏‏.‏

قال وكيع‏:‏ وجدته في كتابي عن أبي ذر، وهو السَّماع الأول‏.‏

وقال سفيان بن مرة‏:‏ عن معاذ‏.‏

ثم قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا إسماعيل عن ليث، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن ميمون ابن أبي شبيب، عن معاذ أنه قال‏:‏ يا رسول الله أوصني‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اتق الله حيثما كنت‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ زدني‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اتبع السيئة الحسنة تمحها‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ زدني‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏خالِق النَّاس بخلق حسن‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه التِّرمذي في جامعه‏:‏ عن محمود بن غيلان، عن وكيع، عن سفيان الثوري به، وقال‏:‏ حسن‏.‏

قال شيخنا في ‏(‏الأطراف‏)‏ وتابعه فضيل بن سليمان‏:‏ عن ليث ابن أبي سليم، عن الأعمش، عن حبيب به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا أبو اليمان، ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن معاذ بن جبل قال‏:‏ أوصاني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعشر كلمات‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تشرك بالله شيئاً وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً فإن من ترك صلاةً مكتوبةً متعمداً فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمراً فإنَّه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية فإن بالمعصية يحل سخط الله، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك النَّاس، وإذا أصاب النَّاس موت وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأحبهم في الله عز وجل‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /118‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يونس، ثنا بقية عن السري بن ينعم، عن شريح، عن مسروق، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما بعثه إلى اليمن قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا سليمان بن داود الهاشمي، ثنا أبو بكر - يعني‏:‏ ابن عياش - ثنا عاصم عن أبي وائل، عن معاذ قال‏:‏ بعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليمن، وأمرني أن آخذ من كل حالم ديناراً، أو عدله من المعافر، وأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرةً مسنةً، ومن كل ثلاثين بقرة تبيعاً حولياً، وأمرني فيما سقت السماء العشر، وما سقي بالدوالي نصف العشر‏.‏

وقد رواه أبو داود من حديث أبي معاوية‏.‏

والنسائي من حديث محمد بن إسحاق عن الأعمش كذلك‏.‏

وقد رواه أهل السنن الأربعة من طرق‏:‏ عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا معاوية عن عمرو، وهارون بن معروف قالا‏:‏ ثنا عبد الله بن وهب عن حيوة، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن سلمة بن أسامة، عن يحيى بن الحكم أن معاذاً قال‏:‏ بعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أصدق أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً‏.‏

قال هارون‏:‏ والتبيع الجذع أو جذعة، ومن كل أربعين مسنة، فعرضوا علي أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين، وما بين الستين والسبعين، وما بين الثمانين والتسعين، فأبيت ذلك وقلت لهم‏:‏ أسأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلك، فقدمت فأخبرت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين مسنَّة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعاً، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة، ومائة مسنتين وتبيعاً، ومن العشرين ومائة ثلاث مسننات أو أربعة أتباع‏.‏

قال‏:‏ وأمرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئاً إلا أن يبلغ مسنة أو جذع‏.‏

وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها، وهذا من أفراد أحمد‏.‏

وفيه دلالة على أنه قدم بعد مصيره إلى اليمن على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

والصحيح‏:‏ أنه لم ير النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد ذلك، كما تقدَّم في الحديث‏.‏

وقد قال عبد الرزاق‏:‏ أنبأنا معمر عن الزُّهري، عن أبي بن كعب بن مالك قال‏:‏ كان معاذ بن جبل شاباً جميلاً سمحاً من خير شباب قومه لا يسأل شيئاً إلا أعطاه، حتَّى كان عليه دين أغلق ماله، فكلم رسول الله في أن يكلم غرماءه ففعل فلم يضعوا له شيئاً، فلو ترك لأحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال‏:‏ فدعاه رسول الله، فلم يبرح أن باع ماله وقسمه بين غرمائه‏.‏

قال‏:‏ فقام معاذ ولا مال له‏.‏

قال‏:‏ فلمَّا حج رسول الله بعث معاذاً إلى اليمن‏.‏

قال‏:‏ فكان أول من تجر في هذا المال معاذ‏.‏

قال‏:‏ فقدم على أبي بكر الصديق من اليمن وقد توفي رسول الله، فجاء عمر فقال‏:‏ هل لك أن تعطيني فتدفع هذا المال إلى أبي بكر، فإن أعطاكه فاقبله‏.‏

قال‏:‏ فقال معاذ‏:‏ لم أدفعه إليه وإنما بعثني رسول الله ليجيرني، فلما أبى عليه انطلق عمر إلى أبي بكر، فقال‏:‏ أرسل إلى هذا الرجل فخذ منه، ودع له‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ ما كنت لأفعل، وإنما بعثه رسول الله ليجبره، فلست آخذاً منه شيئاً‏.‏

قال‏:‏ فلما أصبح معاذ انطلق إلى عمر، فقال‏:‏ ما أرى إلا فاعل الذي قلت، إني رأيتني البارحة في النوم - فيما يحسب عبد الرزاق - قال‏:‏ أجر إلى النار، وأنت آخذ بحجزتي‏.‏

قال‏:‏ فانطلق إلى أبي بكر بكل شيء جاء به، حتَّى جاءه بسوطه وحلف له أنه لم يكتمه شيئاً‏.‏

قال‏:‏ فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ هو لك، لا آخذ منه شيئاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/119‏)‏

وقد رواه أبو ثور عن معمر، عن الزُّهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك فذكره إلا أنه قال‏:‏ حتَّى إذا كان عام فتح مكة بعثه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على طائفة من اليمن أميراً، فمكث حتَّى قبض رسول الله، ثم قدم في خلافة أبي بكر، وخرج إلى الشام‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وقد قدمنا أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم استخلفه بمكة مع عتاب بن أسيد ليعلِّم أهلها، وأنه شهد غزوة تبوك؛ فالأشبه أن بعثه إلى اليمن كان بعد ذلك، والله أعلم‏.‏

ثم ذكر البيهقي لقصة منام معاذ شاهداً من طريق الأعمش عن أبي وائل، عن عبد الله، وأنه كان من جملة ما جاء به عبيد، فأتى بهم أبا بكر فلما ردَّ الجميع عليه رجع بهم، ثم قام يصلي فقاموا كلهم يصلون معه، فلما انصرف قال‏:‏ لمن صلَّيتم‏؟‏

قالوا‏:‏ لله‏.‏

قال‏:‏ فأنتم عتقاء، فأعتقهم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن أبي عون، عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة، عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص، عن معاذ، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين بعثه إلى اليمن‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كيف تصنع إن عرض لك قضاء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ أقضي بما في كتاب الله‏.‏

قال ‏(‏‏(‏فإن لم يكن في كتاب الله‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فسنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن لم يكن في سنة رسول الله‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ أجتهد وإني لا آلو‏.‏

قال‏:‏ فضرب رسول الله صدري، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه أحمد عن وكيع، عن عفان، عن شعبة بإسناده ولفظه‏.‏

وأخرجه أبو داود، والتِّرمذي من حديث شعبة به‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل‏.‏

وقد رواه ابن ماجه من وجه آخر عنه، إلا أنه من طريق محمد بن سعد بن حسان وهو المصلوب أحد الكذابين عن عياذ بن بشر، عن عبد الرحمن، عن معاذ به نحوه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /120‏)‏

وقد روى الإمام أحمد عن محمد بن جعفر، ويحيى بن سعيد، عن شعبة، عن عمرو ابن أبي حكيم، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن معمر، عن أبي الأسود الدئلي قال‏:‏ كان معاذ باليمن، فارتفعوا إليه في يهودي مات وترك أخاً مسلماً‏.‏

فقال معاذ‏:‏ إني سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الإسلام يزيد ولا ينقص‏)‏‏)‏ فورَّثه‏.‏

ورواه أبو داود من حديث ابن بريدة به، وقد حكى هذا المذهب عن معاوية ابن أبي سفيان‏.‏

ورواه عن يحيى بن معمر القاضي وطائفة من السلف، وإليه ذهب إسحاق بن راهويه، وخالفهم الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة وأصحابهم محتجين بما ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر‏)‏‏)‏‏.‏

والمقصود‏:‏ أن معاذ رضي الله عنه كان قاضياً للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم باليمن، وحاكماً في الحروب، ومصدّقاً إليه تدفع الصدقات، كما دلَّ عليه حديث ابن عبَّاس المتقدم، وقد كان بارزاً للناس يصلي بهم الصلوات الخمس‏.‏

كما قال البخاري‏:‏ حدثنا سليمان بن حرب، ثنا شعبة عن حبيب ابن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن عمرو بن ميمون أن معاذاً لما قدم اليمن صلى بهم الصبح، فقرأ ‏{‏وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً‏}‏‏[‏النساء‏:‏ 125‏]‏‏.‏

فقال رجل من القوم‏:‏ لقد قرت عين إبراهيم، انفرد به البخاري‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏